"الإطار" ينبش في المسكوت وينبه لخطورة قهر المرأة
نضال ممدوح
" هل يموت الذي كان يحيا كأن الحياة أبد وكأن الشراب نفد"
"ليت أسماء تعرف ؟" المرثية الأشهر في الشعر المعاصر التي كتبها الشاعر أمل دنقل في يحيى الطاهر عبدالله "الصعيدى الذى هدّه التعب فنام"، قبلما يستكمل غزل "حكايات للأمير حتى ينام"، وغافله الوسن ونام هو لكن حكاياته عن الجنوب بليله وأساطيره بسحريته الواقعية التي تشبهنا من لون بشرتنا ورائحة عرقنا٬ ذلك الخليط المركب المرهف بين مخيلة الواقع وواقع المخيلة، وليست تلك الهابطة علينا (بالباراشوت) من أمريكا اللاتينية وغيرها!
وكان هذا الثراء والخصوصية لنصه "الطوق والإسورة" وراء العرض المسرحي "الإطار"- مسرحة الرواية- الذي قدمته فرقة "سوء تفاهم" المسرحية علي مسرح الهناجر من خلال فعاليات الدورة الثانية لمهرجان آفاق مسرحية.
"الأطار" عرض نبه من جديد عن قهر المرأة ونبش في المسكوت عنه وفضح فكرة التواطؤ بالصمت في مجتمع بأكمله، المجتمع الشكلي الذي يريد أن يخفي مشاكله وأفراده لا يقلقهم سوى نظرة الآخرين لهم، بغض النظر عن الخطأ نفسه وحجم المشكلة، فهو يرفض مواجهة المشاكل ويسعى لإخفائها، وهو ما يصرخ به البطل مصطفي البشاري ــ الذي أجاد لعب دوره الفنان " محمد حفظي"ــ لكن بعد فوات الأوان بعد أن قتلت "فرحانة" ابنة فهيمة، قتلها ليل الجنوب بظلمات جهله.
تدور أحداث العرض حول "حزينة" امرأة كالآلاف من نسوة الجنوب تعيش مع زوجها بخيت البشارى المشلول والمصاب بالسل، وابنتهما فهيمة، تأمل في أن يعود ابنها مصطفى الغائب، الذي نزح إلى الشام بحثًا عن لقمة العيش٬ يتزوج الحداد الجبالى من فهيمة بعد وفاة أبيها، ولأنه عاجز جنسيًا فإنها تتأخر في الإنجاب، فتلجأ أمها إلى المعبد ليباركها الشيخ" هارون" ويختلط الإيمان بالفساد.
ويأتى الحل على يد حارس المعبد نفسه، وتنجب المولودة فرحانة التي لا يعترف بها الأب لعلمه بعجزه جنسيًا، تمرض فهيمه وتموت لعلاجها بشكل بدائي، تمر الأعوام وتسعى فرحانة الحفيدة مع جدتها حزينة لكسب قوتها بخدمة الشيخ الذي يتصدق عليهما وتحمل فرحانة سفاحًا من ولده.
يعود خالها مصطفى بعد سفره الطويل؛ لكنه يعلم بحمل " فرحانة" ويحبسها عطشًا وجوعًا ويباغتها ابن عمتها وينهي حياتها طعنًا وتموت فرحانة قتيلة.
تعددت القضايا التي طرحها العرض ومنها "قضية الشرف ، "وهي القضيه الأولى في العرض/الرواية، وقضية اختلاط الانساب بحجة البحث عن الولد في غياب قدرة الزوج عن الإنجاب وإيعاز الأسباب للسحر والشعوذة واعتراف المجتمع بهذا الطفل الذي تحمل به أمه من المعبد، بحيث إن هناك شخصا يسكن في المعبد ويعاشر النساء اللاتي يبحثن عن الولد.
ففي الحوار الذي دار بين " حداد وفهيمة" يسألها مقررًا ( يعني روحتي المعبد) ما يعني أنه طقس شائع ومتعارف عليه، بل يتواطأ الجميع علي إخفائه رغم ممارسته باعتيادية؟!
الإسقاط على دور المرأة القوية التي تقوم بدور الرجال وتتحدى أحزانها وتستمر في تربية حفيدتها بعد رحيل ابنتها، وهي تنتظر الغائب /الحاضر " مصطفي"، وحينما يعود محاولاً نقل مفاهيم جديدة لمجتمع مصاب بالتخلف قائم على الاستماع ونقل الشائعات والسلبيه في مواجهة الظلم والطغيان والرزح تحت وطأة الجهل والفساد، ومن ثم يفشل فشلا ذريعا ليعلن صرخته المدويه في نهاية العرض عن فشله في إحداث تغيير ولو طفيف في جسد هذا المجتمع.
وقد أجاد مخرج العرض " محمد مبروك" في توظيف أدواته الفنية، خاصة الديكور الذي جاء بسيطًا لكنه شديد التعبير عن أجواء الرواية /المسرحية بتلك اللوحات الصارخة بقهر الأنثى خاصة المرأة الجنوبية.
المصدر ::